رئيس النيجر: "ما يجري في شمال مالي إحدى تداعيات التدخل الأجنبي في ليبيا"


لاوجود لأي تهمة ضد الساعدي القذافي ويمكنه البقاء في النيجر حرا

قال محمادو إيسوفو، رئيس جمهورية النيجر، إن عددا من الجنود الليبيين فروا إلى منطقة الساحل بعد سقوط نظام العقيد معمر القذافي؛ مؤكدا أن بلاده وافقت على استقبال كل الفارين باستثناء من يحملون السلاح؛ لأن "الدولة هي وحدها التي يجب أن تحتكر القوة"، وفق تعبيره..
وأوضح إيسوفو ـ في مقابلة مع صحيفة Le Monde الفرنسية ـ أنه حذر، فور اندلاع الأزمة الليبية، من عواقب التدخل الأجنبي في هذا
البلد؛ مبرزا أن من المخاطر التي حذر منها ـ في هذا الصدد ـ "صوملة ليبيا"، بمعنى انهيار الدولة الليبية، ومنها أيضا خطر سيطرة المتطرفين على حكم البلد..
وقال الرئيس النيجري إن الليبيين، وخاصة من منطقة بنغازي، هم الأكثر تواجدا في تنظيم القاعدة بعد السعوديين..
ونفى أي تواجد عسكري فرنسي في بلاده؛ مؤكدا أن "لا أحد يوكل حماية بلده للغير"..
انتخب محمادو إيسوفو (60 عاما) رئيسا لجمهورية النيجر منذ 7 إبريل 2011، حين حصل على نسبة 58% من أصوات الناخبين؛ وتقع بلاده في محيط من البلدان التي تواجه موجة من العنف: ليبيا، مالي، نايجيريا..
وهذه ترجمة لنص المقابلة:
سؤال: ما هي أسباب حركة تمرد الطوارق في مالي؟
جواب: إنها نتيجة مباشرة للأزمة الليبية.. فور بداية الأزمة، أكدت على خطرين جسيمين مرتبطين بالتدخل العسكري في هذا البلد.. أولا خطر "الصوملة"، أي انهيار الدولة.. ثانيا خطر سقوط السلطة في أيدي المتطرفين.. وهذان الخطران ما يزالان قائمين، ويجب أن لا ننسى أن الليبيين، خاصة من بنغازي، هم الأكثر تواجدا في تنظيم القاعدة، بعد السعوديين.. نعرف منذ وقت طويل أن مخازن الأسلحة تم نهبها ونقل جزء منها إلى جميع بلدان الساحل، إلى النيجر وموريتانيا وتشاد... بعد هزيمة القذافي، فر عدد من جنوده من ليبيا للإقامة في الساحل. وفي النيجر كان موقفنا حازما منذ البداية.. نعم لاستقبال الجميع، لكن باستثناء الرجال المسلحين؛ فالدولة هي الوحيدة التي يجب أن تحتكر القوة.. إذن على الرجال أن يسلموا الأسلحة وإلا فسنحاربهم؛ وهذا ما فعلناه في النيجر.. للأسف توجهوا إلى مالي، في مجموعات صغيرة أولا، ثم أصبحوا مجموعة كبيرة من 400 إلى 500 مقاتل مدججين بالأسلحة الثقيلة..
لقد عرفت بلدان الساحل، خاصة مالي والنيجر، حركات تمرد متجددة منذ بداية تسعينيات القرن الماضي؛ وقد أججت الأزمة الليبية مشاعر التمرد والاستقلال، أو الحكم الذاتي على الأقل، في أزواد بمالي، مما نجم عنه تمرد مفتوح منذ 17 يناير المنصرم.
سؤال: ماهي انعكاسات هذه الأزمة بالنسبة للنيجر؟
جواب: استقبلنا حتى الآن 000 10 لاجيء مالي، بما فيهم جنود عزلوا داخل ثكناتهم وتدفقوا نحو النيجر. وإذا استمرت الأزمة فسيكون هناك المزيد، علما بأن 000 260 نيجيري، معظمهم عمال مؤقتون فروا بسبب الأزمة الليبية، سبق أن عادوا إلى النيجر.. ينضاف إليهم 000 20 نيجري آخرين تمت إعادتهم خلال الأزمات في ساحل العاج.. هذا كثير جدا! مع كل ما يترتب عن ذلك من تبعات اجتماعية من حيث النفقات الأمنية، لأننا يجب أن نقتني تجهيزات عسكرية جديدة لمواجهة الوضع.
باختصار، الوضع في مالي يقلقنا كثيرا..
سؤال: هل هناك خطر من أن تمتد حركة تمرد الطوارق إلى النيجر؟
جواب: احتمال التقليد والعدوى يظل ممكنا، لكننا نظمنا ـ مؤخرا ـ منتدى حول السلام في المناطق الساحلية، شارك فيه، على وجه الخصوص، وجهاء النيجر والقادة السابقون للتمرد. وقد اعتمدنا جميعا خيار السلام.
الناس فهموا أننا نبذل جهودنا من أجل إقامة مؤسسات ديمقراطية وجمهورية يمكن للمواطنين من خلالها التعبير عن أنفسهم. أما خيار السلاح فلا خير فيه..
برنامج النهوض الوطني الذي تبنيته خلال الحملة الانتخابية للرئاسيات، يمنح مكانة معتبرة للتنمية في المناطق الرعوية (مناطق تواجد الطوارق).. وتم تعميق هذا البرنامج مؤخرا عبر برنامج "الأمن والتنمية" في تلك المناطق، وهو ممول بمبلغ 1000 مليار فرنك إفريقي (1,5 مليار يورو). ذلك أن الأمن مرتبط بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية.. أما البؤس فهو منبع كل حركات التمرد وكل الأعمال الإرهابية. إذن، إذا كان الحل على المدى القريب أمنيا، فإنه على المدى البعيد يقوم على التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
سؤال: ما مصير المقاتلين النيجريين السابقين في ليبيا؟ جواب: لا أعتقد أنهم التحقوا بحركة التمرد في مالي.. لقد تمت إعادة دمجهم في الحياة الاجتماعية في النيجر، وبعضهم يتولون مسؤوليات سياسية في البلد؛ تماما كالقادة المتمردين السابقين، والذين تم انتخاب العديد منهم خلال الانتخابات المحلية والجهوية التي جرت سنة 2011.. إنهم يتولون تسيير تجمعات محلية ومحافظات.
سؤال: كيف يمكن للنيجر أن يساهم في حل الأزمة في مالي؟
جواب: تحديد الطريق الذي يتعين سلوكه أمر يعود للماليين.. لكن يمكننا التحدث مع الطرفين حتى يجلسا حول طاولة المفاوضات في أسرع وقت ممكن.
سؤال: هل يعني التحدث مع الطرفين أنكم تتحدثون مع ممثلي الحركة الوطنية لتحرير أزواد، أي المتردين في مالي؟
جواب: تحدثنا حول هذا لموضوع مع الرئيس المالي نفسه.. كل الوسائل التي يمكن أن تساهم في تحقيق السلام مفيدة.. يجب تعبئة المتمردين لكي يفاوضوا.
سؤال: مع ذلك فشلت مفاوضات الجزائر مطلع فبراير الجاري، أليس كذلك؟
جواب: يجب أن لا نفقد الإرادة.. أحد أسباب الفشل يكمن في غياب حركة تحرير أزواد عن لقاءات الجزائر. كانت الحركات السابقة حاضرة، ويجب بذل الجهود حتى يأتي المتردون الجدد للتفاوض.
سؤال: هل تعتمدون على فرنسا لضمان أمنكم إذا اتسعت الأزمة؟
جواب: لا يمكن لأحد أن يوكل حماية بلده للغير..
سؤال: لكن توجد قوات فرنسية خاصة في النيجر، مكلفة بتدريب وحدات النخبة..
جواب: في الوقت الراهن لا يوجد أي جندي ولا مشاركة من فرنسا.. التمرد ليس المشكلة الوحيدة في منطقة الساحل.. فهناك أيضا المتطرفون.. وفي هذا السياق، نحن عاكفون على جمع جهودنا في شبه المنطقة (النيجر، موريتانيا، الجزائر، مالي). صحيح أن الأمور لا تتقدم بالسرعة التي نريدها. يجب أن تكون القيادة العملياتية المشتركة، المتواجدة في تمنراست أكثر فاعلية وعملية على الميدان، لكننا نتبادل الكثير من المعلومات الاستخباراتية.
سؤال: ما مآل الليبيين الذين وصلوا إلى النيجر، ومن بينهم الساعدي القذافي، أحد أبناء القائد؟
جواب: تم استقبال ليبيين لأسباب إنسانية؛ وقد تعهدوا بعدم القيام بأي نشاط مناويء للسلطات الليبية الجديدة. بعض هؤلاء الليبيين ما زالوا هنا، ومن ضمنهم نجل الرئيس، الساعدي القذافي، الذي يمكنه البقاء ما دام يحترم الشروط. وهو حر تماما لأن لا وجود لأي تهمة ضده. في وقت ما، أرادت محكمة الجنايات الدولية أن تأتي إلى هنا لطرح أسئلة عليه، وقد وافقنا على ذلك لكن لم يأت أي وفد من المحكمة حتى الآن..
سؤال: لكن البعض التحقوا بحركة التمرد في مالي، مثل الجنرال علي كانا؟ إذا كانوا يريدون دعم التمرد في مالي، فذلك يعني أنهم يخرقون شروط النيجر وهذا غير مقبول، خاصة وأن ذلك موجه ضد بلد مجاور.. أما بخصوص هذا الجنرال، فقد كان في النيجر منذ يومين.. كان لايزال في النيجر وليس في مالي..
سؤال: بالإضافة إلى ليبيا ومالي، هناك دولة أخرى مجاورة لبلدكم هي نايجيريا التي يعصف بها العنف من خلال تنظيم "بوكو حرام".. ما تداعيات ذلك على النيجر؟
جواب: عندنا مثل يقول: "إذا اشتعلت النار في لحية جارك فعليك سكب الماء على لحيتك!".. نعم الوضع في نايجيريا يثير قلقنا.. لكن ليست المرة الأولى التي يحدث فيها هذا الأمر في نايجيريا التي تشكل البلد الوحيد في إفريقيا جنوب الصحراء الذي يوجد فيه تيار شيعي، منفصل عن الإسلام السائد لدى الزعماء التقليديين، والذي يقوم على التسامح والسلم.. ولا شك أن "بوكو حرام" ستلقى نفس المصير الذي آلت إليه الحركات السابقة. سوف تقضي عليها السلطات.. يبقى أن لدينا 500 1 كيلومتر من الحدود المشتركة، ولدينا سكان يعيشون في تنقل دائم على طول هذه الحدود.. نحن نحاول أن ننسق في مجال المعلومات مع نايجيريا وقررنا إقامة فرق مشتركة على الحدود..
سؤال: ألا يقلقكم وجود محور بين تنظيم "بوكو حرام" وتنظيم "القاعدة في المغرب الإسلامي"؟
جواب: هناك مؤشرات تظهر وجود صلات بين هذين التنظيمين، وكذلك مع حركة "الشباب" في الصومال؛ ونحن نعمل على منع تعزيز تلك الصلات بين الحركات الإرهابية.
ترجمة "السفير"