حكاية من بلاد العرب


يحكى أن أحد السكان العرب الأصليين في بادية الجزيرة العربية استلقى بعد أن صلى الفجر ثم نهض من غفوته متبسماً مذعوراً، فقال لصحبه بعد أن صمت قليلاً: رأيت في المنام متناقضات تثير العجب العجاب، فقالوا له حدثنا بما رأيت، فقال:
شاهدت في أرض الشام المباركة قرب الغوطة فزعتين، إحداهما تقوم على الإصلاح والتجديد والبناء، ويلتف حولها أُناس كثر، يملكون من الرأي السديد، والقول الرشيد، ما يجعلك تعجب بكلامهم، وتتسابق في بنيانهم، ورأيت جماعة منهم يقدمون حكيمهم، ويبذلون دمائهم في سبيل أصحابهم، وهم على ثبات الرأي والعزيمة،
 وعلو الهمة والشأن، يعمدون على التشاور في أمرهم، ويتحاورون فيما بينهم في كل كبيرة وصغيرة، ويُجل الصغير فيهم الكبير، ويستمع الكبير لرأي الصغير دونما تسفيه أو غيره، ويتزعمهم شاب في العمر،حكيم في شؤون الحكم والإمارة، ذو عقل رشيد، وفكر سديد، حليم إذا غضب، وفطن إذا التفت، طيب المأكل والملبس ولا يرضى لقومه إلا الطيب. وعركة ثانية تقابلها، تقوم على سفك الدم والقتل والنهب وتخريب البلاد وترويع العباد، ويلتف حولها أعداد قليلة ممن لبسوا لباس أهل الشام، وأناس كثر ممن لبسوا لباس أهل الجزيرة وأهل الفرنجة، يسودهم أرذلهم، ويأتمر بأمر أصغرهم وأبعدهم، سيماهم في وجوههم، من قتل وترويع، يحاولون النيل من أهل العزيمة والمروءة لكن هيهات لهم الظفر.
وشاهدت رجلين ممن في العركة الثانية، أحدهما يرتدي زي أهل الجزيرة والأخر زي أهل الفرنجة، يتحاوران ويتجادلان، فيقول الأول للثاني:
إن أهل الشام هم أقل دخلاً وريعاً بكثير من أهل الجزيرة فلمَ لم تغلبوهم، وأين ذهبت ثرواتكم.
فيجيبه الثاني، إنهم أناس ثقاة نجباء، فقد عمدوا على تحصين أنفسهم بالعلم والعمل وبناء قوة عسكرية تزود عنهم الضيم، وتحافظ على علو شأنهم وهمتهم، أما أهل الجزيرة فقد غلب المال على عقلهم، فبعثروه بين ملاهي اليهود، ومجون الغرب، وكرم الخائف في نصرة أهل الظلم والطغيان.
ويقول الأول إن أهل الشام رغم الضيق الذي نفرضه عليهم، لكنهم يتمسكون بميثاق يجمعهم على اختلاف ألوانهم ومشاربهم بين ديانات ومذاهب وطوائف، فيتمسكون بدينهم ويتدبرون أمرهم، أما أهل الجزيرة فيدعون تمسكهم بميثاق الدين وألوانهم ثابتة، لكنهم يتنازعون أمرهم بينهم، ويقصي الرجل فيهم أباه ويدني صديقه، ويعق أمه ويقدم جاريته.
فأجابه الثاني: إن أول جريمة ارتكبت في تاريخ البشرية كانت نتيجة الأطماع والجشع، فقتل الرجل أخيه لحسد أصابه، والدنيا كانت على ما هي عليه، فما بالك بعد هذا التطور الحضاري والزخم المادي وتزايد الثروات بأيدي العباد، ألا يقود المال إلى كشف المعدن النفيس من المعدن البخس.
فسأله الأول، من أي أرض أنت فقال له من أهل الجزيرة، فقال له الأول الذي يرتدي زي الفرنجة وأنا من أهل الجزيرة، فقال له الثاني: فمن أي عرب أنت، فقال، من العرب القطريين، فقال له، لكني أعرف أن القطريين قلة منهم عرباً والباقي عجماً فمن أي عرب أنت، فقال له أنا من إمارة قطر، يرأسها أمير يحكم من خلال دستور يجسد مبادئ الديمقراطية، يقره مجلس منتخب من قبل القطريين، يحددون فيه الولاية والبيعة، ومهام القضاء، وأميرهم هو القاضي بينهم، يعمل على إحقاق الحق وإنصاف المظلوم، ويقتسم مكاسب دولته بالتساوي، فلا يأكل غنيهم حتى يُطعم فقيرهم، ولا يأخذ كبيرهم قرار حتى يستشير صغيرهم، فقلت له والله إنك كاذب، فأنا أعرف بالجزيرة من غريب ستوطن فيها، فأنا أدرك أن كل ما قلته صحيح إلا من ذكرت به المحمية القطرية، ولكن لن أقف على دعابة بسيطة منك، فهدفنا إسقاط الشام وعلينا العمل عليه، فقال له، فأنت أيضاً لست من أهل الجزيرة لأن العرب لا يغدر بعضهم بالأخر، بل أنا من أهل الجزيرة الذي خرج من بينهم نبي الإسلام، ولكن أقطن في منطقة الشام، فقال له من أي البلاد إذاً، قال أنا من بلد يحكمها أحد أبناء قومي وعشيرتي، ملك شاب وسيم وحكيم، لا يقضي بأمر إلا بعد المشورة من أهل المشورة، نذر حياته للدفاع عن العرب وقضية الأقصى، ويقوم في كل صباح بإخراج الصدقات والمعونات للعرب والفقراء من حر ماله. كما يفصل في كل صباح بالنزاعات السياسية بين الأحزاب الحاكمة وفقاً للدستور الذي تعاهدنا على العمل به وصيانته وتجديده كل فترة حتى نواكب الحداثة والتطور، فقال الأول في نفسه، والله إنه لكاذب، لكني لن أشعره بذلك لأن هدفنا واحد.
وهنا استيقظت من نومي، وتفكرت مليا فيما رأيت، هل العرب يكذبون، فوالله إنهم الفتنة الدخيلة علينا أحدها بزينا والأخر بزي أهل الفرنجة، وإني أعاهد نفسي أن أخبر أي عربي ألتقي به أن عليه نصرة أهل الشام ضد المؤامرات والفتن التي تحاك بهم، وأن علينا نصرة قائدهم وجيشهم لأنه جيش العزة والمروءة، وهو جيش النصر القادم بإذن الله. وأننا أهل الجزيرة علينا أن نولي أمورنا خيارنا ونرفض الولاء لشرارنا، وأن لا نجعل زمام الأمر بيد شخص واحد فلابد في هذا الزمن من أحزاب تسوس الخلق بالسياسة، ومجالس للشورى تعمل على تقديم المشورة المسموعة وفق المتاب والسنة، ولجان منتخبة من قبل شرائح الشعب تعمل على تحقيق مطالب هذا الشعب، فنحن العرب أهل الدين والمروءة، ولولا أن لنا فضل العروبة لما انزل القرآن بلسان عربي مبين، فهل نتبرأ من القرآن بزي الفرنجة، أم نعيد الحق لأصحابه، ونعيد الولاية لأهل العدل والحكمة، ونعمل على توسيع قاعدة المشاركة في سياسة البلاد وأحوال العباد.