
متـداداً لرحلة البـطولات التـي سطرهـا أجدادنـا وإنتزاعهم التفوق بكل جدارة في مياه البحر الابيض المتوسـط الأمـر الـذي أزعـج الولايات المتحدة الامريكية لتعلن أول حالة حرب فى تاريخها خارج أراضيها أثر قيام البحارة الليبيون بأسر السفينة فيلادلفيـا تلـك الحداثــة المشــهورة لتتواصل المسيرة و يحمل الاحفاد المشعل من جديد بعد تجدد المواجهة مع بزوغ ثورة الفاتـح واجلاء القوات الامريكيه من أكبر قواعدها خارج امريكا اضافة الى استعادة ليبيا السيطرة على اقليمها الجوي بعد تحررها من
التبعية لاقليم مالطا الجوي بدات المواجهة من جديد خاصة مع إمتلاك ليبيا لطائرات الميراج 5 التي حققت في وقتها التفوق الجوي على نظيرتها طائرة الفانتوم F-4 الامريكية التي كانـت تعـمل من ضـمن تشكيلات الاسطول السادس الامريكي والتى كانت صيدا سهلا لمقاتلاتنا الامر الذي ادى الي انتاج طائرة F-14 الاحدث والتي كانت تشكل العمود الفقري لطيران البحرية في السبعينـــات و الثمانينــات من القرن الماضي وذلـك سعيـاً لتحقيـق التــفوق الجـــوى والذي عزز في منتصف الثمانينات بالطائرة F-18 Hornet الاحدث و ذات القدرات العالية على المناورة و المدي و قوة التسليح و كان سلاح الجو الليبي قد تم تعزيزه بأحدث الطائرات المقاتلة في تلك الفترة مثل الميــج 21 و 23 و 25 و السوخــــوي 22 و الميراج F-1 و غيرها، ومع تنوع المدارس وجدية التدريب و توفير الامكانيات و الروح المعنوية العالية كانت الندية هي العامـــــل الرئيسي ليس بين المعدات و التقنية فحسـب بــــل النديــة في القدرات البشرية فكان مستوى الطياريـن عـلى أعـلى درجــة لا يضاهيــه إلاَّ مستــوى أرقــى الأسلحــة فـــــي العالــــم بأعتـراف الخصـوم أنفســهم ، وتوالـت الأحــداث برســـم خـط المواجــهة ” خط الموت ” الــذي حــدده القائـــد الاعلى ” الشهيد معمر القذافي “عند درجة 32.30 و كان ذلك من خلال حق ليبيا الطبيعي بإعتبار خليج سرت مياه اقليمية ليبية نتيجة دخوله في عمق التضاريس الليبية ، فاستجاب الشعب المسلح للارادة السياسية و اعتبر النيل من السيادة واجب دونه الموت و كما هى العادة كان الدفاع الجوى بكل شرائحه في صدر المواجهة بكامل أفراده و معداته من صورايخ و رواصد ومنظومات دفاعية متنوعة و كان نسور الجو يجوبون السماء ليـلاً و نهـاراً يتصـدون لكـــل الاختراقـــات والاستفزازات و كان التنسيق على اكمل وجه بين قطاعات الدفاع الجوي و السلاح الجوي و البحرية عبر القواعد الجوية و منظومات الصواريخ المضادة للطائرات المنتشرة على امتداد الساحل الليبي ، ومع تصاعد الموقف السياسي برفض العربدة الامريكية في البحر المتوسط ومع تصاعد العداء المباشر في عهد الرئيس ريجن كانت المواجهه حتمية في الجو و البحر فشحدت الهمم وسطرت الملاحم مـن خـلال صفـحات المواجـهه اليوميـة مع العدو ، ونحن نقلب صفحات المواجهة اخترنا لكم هذه الحادثة كما وردت من اصحابها الذين شاركو فيها و التي تم التحقق من تفاصيلها من خلال الوثائق و السجلات و شهادات العدو أيظا كنموذج لما حققه مقاتلينا من أمجاد فى ساحات الوغى جديرة بأن تستقرئها الاجيال لحمل المشعل ومواصلة المسيرة بخطى واثقة وعزيمة صلبة وارادة لا تلين .
فمع تزايد التوتر في المنطقة في منتصف الثمانينات زادت الطلعات الجوية الاستفزازية المنطلقة من الاسطول السادس الرابض قبالة الساحل الليبي و تزايدت بالمقابـل طلــعات الاستـطلاع والاستكشاف والاعتراض الليبية و بالتالي كان لا مفر من الاحتكاك المباشر مع طيران العدو و بشكل يومي في بعض الاحيان و على امتداد الساحل الليبي و من مختلف القواعد الجوية و مختلف انواع الطائرات المقاتلة و نحن نسرد اليوم احدى قصص الاشتباكات الجوية المتكرر كنموذج لما كان يحدث من مواجهات نتناولها ببعض التحليل الموضوعي ليس من باب الدعاية رغم انها مطلوبة في ساعات المواجهة و لكن عرفاناً منا لما قدمه ويقدمه جنود مجهولون من اجل هذا الوطن المعطاء حتى تقتفى الاجيال الاثر ونثق فى أنفسنا لمواجهة أى عدوان .بداية المهمة
كانت البداية في يوما دافئا من أيام شهر النوار/ فبراير المشمسة وبعد استكمال الادبيات الخاصة والطقوس اليومية للطيارين من تلقين صباحى واطلاع الطيارين على خطة الطيران لذلك اليوم وكشف اللياقة الصحية وغيرها أنطلق الطيارون كالعادة كل حسب ما وزعت عليه المـهام استعــدادا لتنفيــذ الطلعات اليومية ضمن برامج التدريب المكثفة ناهيك عن تواجد ما يسمى استعداد حالة أولى وهو ما يصطلح عليه بالدشمة (Scramble) وهوبقاء الطيارين مع طائراتهـم فـى الدشـم مرتديـن كامـل التجهيزات استعدادا لتنفيـذ واجبـــات الاعتــراض حسب الاوامـر التى تصـدر من مراكز العمليات والتوجيه بالدفاع الجوى حال اقتراب أى هدف وتجاوز خط الاكتشاف الى خط الاعتراض فى زمن قياسى لايتعدى دقيقتان فور استلام الامر (Scramble) حتى الاجواء ليقوم موجهوا الدفاع الجوى بتوجيه المقاتلات لاعتراض الهدف وهكذا كانت الحاله العامه لكل الاسراب المقاتلة فى كل قواعد الساحل الليبى فى تلك الفترة ، أما فى قاعدة عقبة بن نافع ومعيتيقة الجويتان لـم يكـن الأمـر مختلـفاً فـقد كـان السرب بطائرات الميج 23 فى معيتيقة وسربى طائرات الميراج 5 وطائرات الميراج F-1 بقاعدة عقبة بالتنسيق مع مركزى التوجيه والسيطرة يضطلعون بذات المهام والواجبات .
وفـى هـذه الأثنـاء وأمام رغبة الطيارون الجامحة للمواجهة تم التنسيق بين سرب 1023 الميج 23 وسرب الفاتح الميراج F-1 بقيام الاخير بتنفيذ طلعة استطلاع فى الاعماق على أن تتم المؤازرة والاشتراك من سرب الميج 23 وهكذا أنطلقت الاستعدادات والتحضير الدقيق للطلعة وأعتبرت كطلعة اثبات وجود ، حيث تم أختيار التشكيلين بحيث ضم تشكيل الميـراج F-1 كـلا مــن رائـــد طيـار مختار محمـد عصمان كقائد تشكيل (Section leader) بمعية ملازم طيار البشيـر محمـد سالـم No 2 ورائد طيار بلقاسـم عـمار بلقاسم كقائــد تشكيـــل مسانـد ( Deputy leader ) بمعية ملازم طيار محمد سالم نصر No 4. أما تشكيل الميج 23 فكان يضم رائد طيار سالم النداب كقائد تشكيل (Section leader ) والمرحوم الشهيد ملازم طيار سالم رمضان عيسى No 2 أما ( Deputy leader ) فقد كان ملازم طيار المبروك الصويعى والملازم طيار محمود يونس No 4 . ونظرا لبعد النقطة الافتراضية للاشتباك فقد تم التحضير لان يسبق اقلاع الميراج F-1 بكامل تسليحها وخزاناتـها بزمـن ( 35 ) دقيـقة قبـل إقـــلاع التشكيــل الميــج 23 المسانـد لتأميـن الحمايــة ، وهكــذا كــــان .
تسلسل عملية الاعتراض و المواجهة
فعلى تمام الساعة 13:10 من يوم بتاريخ 12 / 2 / 1986 أقلع تشكيل من سرب الميراج F-1 يضم 4 طائرات من قاعدة عقبة الجوية قاصدا الاتجاه 030 بعد أن أجرى عملية الانضمام بكل نجاح مواصلا التسلق حتى ارتفاع 27.500 قدم حسب المخطط متخـداً وضعيـة قتاليـة غيــر مألوفـــة تسمى ( Fluid four formation ) وهو ضرب من ضروب التشكيلات القتالية المعهودة يستخدم فى حالة الافتقار للتغطية الرادارية الارضية ويتفوق عليه فى قدرته على ارباك الخصم فى اتخاذ القرار الهجومى المناسب بحيث يمكن استغلال أى خطأ أو تأخير للاطباق على أى مهاجم والاحتفاظ بامتلاك زمام المبادرة ناهيك عما يوفره من تغطية أشمل للطائرات المتقدمة اضافة الى كونـه وسيلــة لحمايـة المؤخرة ما يصطلح عنه قتاليا (Clear the tail ) وما يميزه أيظا احتمالية اكتشافه عندما يكون فى مواجهة الرادارات بزاوية مثاليه كونه هدفان وليس اربع اهداف وأخيرا يعتبر التشكيل القتالى الذى يضمن التوازن بين مقدمته ومؤخرته. ولهذا تم اختيار هذا الاتجاه ليواصل حتى بلوغ الارتفاع المطلوب أى الاستقرار ومواصلة الطيران تحت السيطرة الراداريه للدفاع الجوى وفعلا وتتبعا لاقصى قوانين السلامة فى مثل هذه الطلعات التى يأتى فى أولوياتها تفادى الارسال بالراديو نهائيا واقتصار ذلك على حركات خفيفة للاجنحة كاشارة لامر معين تم التدريب عليه مراراً حيث واصل التشكيل الطيران بسرعة 0.92 ماخ وطى الامواج الزرقاء الهادئة بكل سكون لم يعكره الا صوت مركز عمليات الحاملة على القناة 9 Red وهو يأمر طائراته بضرورة الاستعداد لاعتراض المقاتلات الليبية فيما لو أستمرت فى التقدم ولم تقفل راجعه . الا أن التشكيل أستمر فى نفـس الإتجــاه وبــدأ جهاز الحاســـــب الملاحى ( Navigation Computer ) لطائرات التشكيل يتجاوز فى قراءته للمسافة 75 ميل بحري مع بدأ تلاشى التغطية الرادارية الارضيه لمركزى التوجيه والسيطرة ، ومع ذلك واصل التشكيل التقدم سيما بعد تأكده من اقلاع طائرتين لاعتراضه حتى 120 ميل بحري فى تمام الساعة 13:28 وفى هذه الاونه أصدر قائد التشكيل أوامره بالدوران 60 درجة ناحية اليمين للاتجاه شرق كامل 090 درجة ، وبعد أن أستقر التشكيل فى الاتجاه الجديد ، وفى السكون المطبق حدقوا بأعينهم عبر شاشات الرادار وضمن مجال الرؤية الطبيعى لتلك المياه الزرقاء من ذلك الارتفاع وبينما هم كذلك حتى لاحظ قائد التشكيل وبنظره خاطفه اقتراب احدى التشكيلات المعادية على ارتفاع منخفض بزاوية تقرب الى الساعة الخامسة فقام على الفور رمزيـــــا بأصدار تعليماته الدوران والالتفاف 180 درجة لكامل التشكيل نحوهما الامر الذى يحتم تغيرا فى المواضع لمثل هذا النوع من التشكيل القتالى بحيث يتحول No 3 الى قائد تشكيل ( Potential leader ) الى جانب No 4 الذى سيتحول الى No 2 وورائهم قائد التشكيل الذى سيتحول الى No 3 وNo 2 الى No 4 وعندما لاحظت الطائرات المعادية هذا التكتيك لم تجد بدا أمام ارتباكها لاكتشافها وجود أربع طائرات وليس طائرتين حسب ما توقعا مما أجبرهما على أختيار مبدأ التسلق ثم الهروب أو الخروج من المواجهة بأقصى القدرات من منتصف التشكيل للادبار وطلب المساندة العاجلة ، وفى هذا الوقت كان طياروا سرب الميج 23 بعد أن أنهوا كافة استعداداتهم وهم يتحرقون شوقا للاشتراك والمساندة قد تسارعوا الى طائراتهم بروح معنوية عالية ملبين نداء الوطن والتجهيز للاقلاع. هنا أعطى آمر التشكيل لاعضائه أمر الدوران 180 درجة فى اتجاه الشرق الكامل والتأهب للمواجهة ، وفعلا ففى تمام الساعة 13: 35 تقدم تشكيل من أربع طائرات نوع F- 18 Hornet من ارتفاع منخفض أيضا متخذا وضعية التشكيل القتالي ( Battle formation ) والتسلق مباشرة للتشكيل الذى لم يتردد قائد تشكيله باصدار أمر الانفصال الثنائى أى قائد التشكيل مع رقم 2 ورقم 3 مع رقم 4 فى مواجهة التشكيل الذى أمتثل للانفصال أيضا لينقسم وتبدأ مع أوامر من مركز عمليات الحاملة بضرورة تجهز أربع طائرات أخرى نوع F- 18 Hornet للدعم والمساندة.
ولمزيداً من التفاصيل الدقيقة من الذين عايشوا الواقعة و لإضفاء مزيد من المصداقية على الموضوع فضلنا ترك سرد تفاصيل الاشتباك من أمري التشكيلين المشتركين في العملية.
حيث روي للمسلح امر التشكيل الاول الميراج F-1 الاشتباك كما يلي:
بعد الانفصال و اتجاه التشكيل المعادي نحونا اصدرت الامر الى رقم 2 بالتسارع الاقصى مستخدماً الحارق اللاحق و الاستدارة مباشرة نحو هدفه فيما توجهت مباشرة نحو الطائرة الاخري و كانت طائرة امر التشكيل المعادي في وضع المواجهة المباشرة (Head on) حيث دخلنا مباشرة في الاشتباك بالتسلق الحاد نحو الاعلى و من ثم التقاطع و الالتفاف السريع لأخذ الاسبقية في التموضع المناسب حيث دخلنا مباشرة في ما يسمى الوضع المائل (Oblique plane) ونظرا لما تتمتع به طائرة F-18 من قدرة عالية على المناورة حيث كانت طائرة حديثة جدا في تلك الفترة كانت له اسبقية اخذ الموضع الانسب مما اضطرني الى اجراء مناورة إلتفافية حادة جداً لمنع الخصم من وضعي في مرمى الهدف عندها لاحضت عدم قدرته على الثبوت في مكانه الامر الذي قادني الى مزيد من الحدة فى المناورة مما جعل طائرته تتعرض لازاحة جانبية كبيرة فقمت على الفور بإستغلال خطأ الخصم بمناورة تسمي:ــ
Barrel roll inside turn with nose high ( أي إنطلاق الطائرة بسرعة فائقة حول محورها على أن تكون مقدمتها إلى أعلى ) الامر الذى اعطاني التفوق في اخذ الموضع المناسب لوضع الخصم في مرمي الهدف عندها حاول الافلات بكل الطرق لكنني حافظت على تفوقي وكان في مرمى جهاز التهديف الخاص بي من حوالي ارتفاع 30,000 قدم نزولاً حتي ارتفاع 10,000 قدم (كما هو موضح في الصور) و من ثم تم الانفصال و عودتي لمساندة رقم 2 الذي تمتع بمهارة عالية و قدرة مكنته من مجاراة خصمه بالرغم من قلة خبرته في تلك الفترة.
بعد الانفصال و اتجاه التشكيل المعادي نحونا اصدرت الامر الى رقم 2 بالتسارع الاقصى مستخدماً الحارق اللاحق و الاستدارة مباشرة نحو هدفه فيما توجهت مباشرة نحو الطائرة الاخري و كانت طائرة امر التشكيل المعادي في وضع المواجهة المباشرة (Head on) حيث دخلنا مباشرة في الاشتباك بالتسلق الحاد نحو الاعلى و من ثم التقاطع و الالتفاف السريع لأخذ الاسبقية في التموضع المناسب حيث دخلنا مباشرة في ما يسمى الوضع المائل (Oblique plane) ونظرا لما تتمتع به طائرة F-18 من قدرة عالية على المناورة حيث كانت طائرة حديثة جدا في تلك الفترة كانت له اسبقية اخذ الموضع الانسب مما اضطرني الى اجراء مناورة إلتفافية حادة جداً لمنع الخصم من وضعي في مرمى الهدف عندها لاحضت عدم قدرته على الثبوت في مكانه الامر الذي قادني الى مزيد من الحدة فى المناورة مما جعل طائرته تتعرض لازاحة جانبية كبيرة فقمت على الفور بإستغلال خطأ الخصم بمناورة تسمي:ــ
Barrel roll inside turn with nose high ( أي إنطلاق الطائرة بسرعة فائقة حول محورها على أن تكون مقدمتها إلى أعلى ) الامر الذى اعطاني التفوق في اخذ الموضع المناسب لوضع الخصم في مرمي الهدف عندها حاول الافلات بكل الطرق لكنني حافظت على تفوقي وكان في مرمى جهاز التهديف الخاص بي من حوالي ارتفاع 30,000 قدم نزولاً حتي ارتفاع 10,000 قدم (كما هو موضح في الصور) و من ثم تم الانفصال و عودتي لمساندة رقم 2 الذي تمتع بمهارة عالية و قدرة مكنته من مجاراة خصمه بالرغم من قلة خبرته في تلك الفترة.




__________________________

